الثلاثاء، 11 نوفمبر 2008

الماء الصالح للشرب، من أين؟؟؟

الماء سر بقاء الكائنات الحية بأجمعها، وتشغل المياه حوالي ثلاثة أرباع سطح الكرة الأرضية ، فيما يعتبر أقل من 1% فقط من هذه الكمية صالحة للشرب, نعم إن مشكلة ندرة الماء لم تعد المعضلة الوحيدة التي تهدد الحياة على كوكب الأرض، بل إن حصول الإنسان على كوب ماء نقي وآمن صحياً ورخيص هي مشكلة هذا الزمان، فلا يخفى على أحد مدى ضرر المواد الكيميائية المستعملة في عمليات تنقية وتعقيم المياه على صحة البشر. فبسبب احتواء المياه على أنواع متعددة من الجراثيم والكائنات الدقيقة، يعتقد ذوو الاختصاص أن 80 % من الأمراض في البلدان النامية يعود سببها إلى المياه الملوثة وانعدام الإجراءات التي تساهم في تطهير المياه وتعقيمها. وحسب منظمة الصحة العالمية WHO إن ملوثات المياه تتسبب في وفاة أعداد لا يستهان بها من الأشخاص في العالم سنوياً.

المياه المعبأة المتنوعة : مصادرها ومحتوياتها

يفضل البعض شرب المياه المعبأة لأسباب عديدة منها طعم المواد الكيميائية المضافة إلى مياه الصنبور وخصوصاً الكلور المستعمل للتنقية· ففي فرنسا يمتنع 39% من السكان عن شرب مياه الحنفية بسبب طعمها، في مقابل 7% في الولايات المتحدة، أما في دول الخليج العربية فكثيرون لا يستسيغون مياه الشرب التي تنتجها محطات التحلية· هذا ويرجع ارتفاع حجم الاستهلاك الخليجي من المياه المعبأة إلى 4 عوامل هي : طبيعة المناخ، وارتفاع درجات الحرارة، وعدم توافر المياه في كل المناطق بسبب التطور العمراني السريع، وارتفاع مستوى الدخل بالمقارنة مع دول العالم. وتمثل المياه المعبأة القطاع الأسرع نمواً في السوق العالمية للمشروبات، لكن على رغم ما يقال عن فوائدها الصحية، فهي باهظة الثمن قياساً بمياه الشرب المنزلية التي لا تقل جودة عنها في كثير من الحالات، كما أن لها انعكاسات بيئية خطيرة· وعليه نشرت مجلة Natural Life في عدد مارس – أبريل 2007م، تقريراً حول الجدل الدائر عالمياً بشأن المياه الصالحة للشرب، وهل الأفضل أن يُعتمد على مياه الصنبور، أم يُلجأ لشراء المياه المعبأة في قناني، والتي يطلق عليها أحياناً المياه الطبيعية أو المعدنية. المجلة قالت إن الفرد ينبغي عليه أن يشرب ثمانية أكواب يومياً من المياه النظيفة، بغض النظر عن مصدر هذه المياه، مشيرة إلى أن شركات تعبئة المياه تحاول بشتى الوسائل إقناع المستهلك بأن المياه المعبأة في قناني هي الأفضل من ناحية البيئة والصحة العامة، وهو الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع نسبة الاستهلاك العالمي من المياه المعبأة. لكن الحقيقة كما يؤكدها التقرير، هي أن المياه المعبأة تكون أفضل فقط في حالات تلوث مياه الشرب، وعدم التيقن من معالجتها بصورة آمنة. لقد أجريت العديد من الدراسات في جامعات أوربا والولايات المتحدة على المياه المعبأة في قناني، منها دراسة بجامعة شيكاغو، اعتمدت على عينة تضم 1000 قنينة من 103 أنواع تباع في السوق الأمريكية، وخلصت هذه الدراسة إلى أن نسبة لا تقل عن ثلث قناني المياه المتداولة بالأسواق غير صالحة للشرب لوجود مركبات زرنيخية ومواد مسرطنة بها فضلاً عن ارتفاع كبير في نسب الأملاح عن المعايير الدولية. دراسة أخرى في جامعة جنيف توصلت إلى نتيجة مقاربة، عندما وجدت أن نصف العينات التي تم تحليلها من قناني المياه المعبأة غير مطابقة للمعايير والمواصفات، وأن النصف الباقي لا يختلف عن مياه الصنبور سوى في نسب المعادن والأملاح الذائبة. وقالت الدراسة إن أضرار هذه الأملاح تفوق فوائدها لصحة الإنسان. التقرير أشار إلى قيام بعض الدول بفرض رقابة صارمة على إنتاج وتداول المياه المعبأة في قناني مثل كندا، حيث تقوم وكالة التفتيش على المواد الغذائية بعمليات فحص وتحليل لعينات من كافة أنواع المياه المتداولة بالأسواق، سواء كانت منتجة محلياً أو مستوردة للتأكد من خلوها من أية ملوثات جرثومية أو كيماوية، وكذا من مطابقة نسب المعادن والأملاح للمواصفات القياسية. كما تقوم منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية بنفس الدور تقريباً، ولكن هذه المنظمة تسمح أحياناً لبعض الشركات بطرح مياه معبأة دون توضيح مصدرها، وتكتفي بالتأكد من معالجتها جيداً وصلاحيتها للشرب. وفيما يتعلق بطرق تعبئة ومعالجة مياه الشرب، فإنها تختلف من دولة لأخرى ومن شركة لأخرى، فهناك المياه المعدنية، وهي مياه جوفية يتم سحبها بطرق فنية وتحتوي على نسب ثابتة من المعادن والعناصر النادرة، وهناك مياه الينابيع المعبأة، وهي أيضاً مياه جوفية محمية من التلوث، يتم معالجتها عند الضرورة بعد سحبها من الينابيع. وهناك أيضاً المياه التي تعالج طبيعياً وكيميائياً لإزالة بعض العناصر والمواد العالقة، وتعالج بطرق مثل التقطير، والتناضح العكسي، وإزالة التأين، وتؤخذ هذه المياه من الأنهار أو البحيرات أو الينابيع.

كيفية التعامل مع أنواع المياه المعبأة

- إذا تم فتح قنينة ماء وشرب منها لا يجب تركها لفترة طويلة بدون استخدام لأن البكتريا ستنشط فيها والتى يكون مصدرها الفم والمحيط الذي تتواجد فيه.
- يمكن إضافة بعض العناصر الصحية لكوب الماء مثل شرائح الليمون أو أوراق النعناع الطازجة أو الزنجبيل المبشور.
- للتخلص من طعم الكلور، يصب الماء في إناء كبير ويترك لمدة ساعة تقريباً.- في حال شراء عبوات مياه كبيرة، يلجأ لتبريد الماء إلى إناء زجاجي يملأ بين الفينة والأخرى، وإذن يلزم العناية بهذا الأخير وذلك بغسل غطائه باستمرار وغسل الإناء نفسه بالماء الساخن والصابون عند إعادة ملئه.

اتجاهات جديدة في معالجة مياه الشرب

هناك اتجاهاً حديثاً نحو استخدام بعض بذور النباتات في ترسيب العوالق الموجودة بالمياه عند معالجتها مثل بذور نبات المشمش، كما توجد أيضاً بذور نبات " المورينجا " التي ثبتت كفاءتها في التخلص بصورة كبيرة من هذه الشوائب العالقة، كيف ذلك؟؟؟
إن فكرة عمل هاته البذور تعتمد على كونها تحتوي على بعض المركبات الكيميائية التي تتحد مع الملوثات ليتم ترسيبها. والجديد هو ما خرج به الفريق العلمي بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة بالتعاون مع محطة مياه الجيزة بمصر، حيث أكدت الأبحاث وجود بديل آمن صحياً وبيئياً يستعمل في تنقية وتعقيم المياه، يغني تماماً عن كبريتات الألومونيوم (الشبّة) والكلور، فمن الممكن تنقية المياه طبيعياً باللجوء إلى المستخلص المائي لبذور أشجار " المورينجا "، وخصوصاً أنه قد تأكدت الأضرار الصحية للشبة والكلور على المدى الطويل.
ويوضح الدكتور محمد أحمد شعبان رئيس الفريق البحثي وأستاذ بحوث المياه ورئيس شعبة البيئة بالمركز القومي للبحوث، أن مشكلة توفير مياه للشرب تكمن في الحاجة لإضافة العديد من المواد الكيميائية لتنقيتها، مما يجعلها تمر بمراحل تتنوع وتختلف تبعاً لطبيعة المياه المعالجة، والمواصفات القياسية المرغوبة. ويأتي الأوزون واليود وبرمنجنات الألومونيوم على رأس المواد المستخدمة في عمليات التنقية، فضلا عن الكلور المضاف للتطهير والتعقيم، وذلك على الرغم من ثبوت أضرار تلك المواد الجسيمة على صحة الإنسان وارتفاع تكاليفها الشيء الذي يحد من قدرة الدول النامية على شرائها، وبالتالي توفير المياه النقية لساكنتها. هذا وقد ثبت أن إضافة الكلور من أبرز مسببات الأمراض السرطانية، وزيادة تركيز الألومونيوم في مادة الشبة يؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة " بالزهايمر"، والعديد من السلبيات التي أبرزت الحاجة لاكتشاف بدائل طبيعية.

البدائل الطبيعية لتنقية مياه الشرب

للحصول على مياه نقية بأقل تكلفة، خرجت البحوث بعدد من المواد الطبيعية الجديدة منها بذور المورينجا والمشمش والخوخ والذرة والبامية...، مما يفتح باب الأمل لمواجهة التزايد المستمر في معدل الاحتياج للمياه النقية الصالحة للشرب كنتيجة للنمو السكاني المطرد، فلا يزال ما يفوق المليار نسمة على مستوى العالم يعانون نقصاً حاداً في إمدادات المياه برغم التقدم الهائل في تكنولوجيا معالجة مياه الشرب. ويعقب الدكتور شعبان أن النتائج العملية لبذور أشجار المورينجا هي ما دفع العديد من الدول لاستخدامها، خاصة دول حوض النيل كالسودان ونيجيريا وزامبيا وملاوي، وبالفعل تم تطبيق استخدامها في محطات مياه الشرب، وكذلك المراكز البحثية العالمية لدول كاليابان وفرنسا، بهدف إجراء المزيد من الأبحاث المتقدمة عليها لزيادة كفاءتها في عمليات التنقية. وللمستخلص المائي لبذور المورينجا قدرة عالية على إزالة العكارة والمواد العالقة ومعظم الطحالب والبكتيريا الموجودة في المياه، وهي لا تقل كفاءة عن كبريتات الألومونيوم المستخدمة حالياً في محطات مياه الشرب، كما أنه يحتوي على مركبات بروتينية لها نفس خصائص الشبة، تقوم بامتصاص المواد الملوثة للمياه وتجميعها مما يعمل على تجلطها وتكوين ما يعرف بالندف (عوالق أثقل من الماء) التي تترسب في القاع. ولتحديد أنسب جرعات وأفضل نسب تركيز من مستخلص المورينجا يتم إجراء قياس جار(Jar test)، وتبين بالقياس أن تركيز150 مليجرام مستخلص لكل لتر مياه واحد هو الأكثر فاعلية في التنقية، وبإجراء مزيد من التجارب والقياسات تبين أن المستخلص المائي للبذور له تأثير مثبط للميكروبات وقاتل لها.
وتعقيباً على ما سبق تضيف الدكتورة جميلة حسين أستاذة بحوث المياه بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة إحدى عضوات الفريق العلمي أنه بعد الانتهاء من الدراسات المعملية تم عمل تجربة على نطاق نصف صناعي، حيث قام الفريق بإنشاء نموذج مصغر لمحطة معالجة مياه تحاكي الظروف والمراحل التي تمر بها عمليات تنقية المياه في الواقع العملي، كما تم اختبار تأثير التغيير في فترات التشغيل المختلفة ومعدل التدفق على كفاءة مستخلص بذور نبات المورينجا في إزالة الملوثات من المياه، وذلك بإجراء الفحوص على عينات مياه مأخوذة من " المحطة النموذج " على فترات تشغيل مختلفة. ويؤكد مصممو المحطة النموذجية وهم مجموعة باحثين من كلية الهندسة جامعة الزقازيق بمصر، أن النتائج قدمت بالفعل حلاً واقعياً لمعضلة إمداد التجمعات السكانية الصغيرة بالمياه النقية الصالحة للشرب وسائر الاستخدامات الآدمية، وذلك بإقامة وحدات تنقية وتطهير صغيرة تلائم احتياجات كل بناية سكنية على حدة، أو إقامة وحدة مجمعة بنفس حجم النموذج الذي تم إجراء التجارب عليه بالقرب من مصادر المياه، وإن كان تطبيقها بمحطات معالجة المياه الكبيرة بالمدن الرئيسية يحتاج إلى المزيد من الدراسات والتجارب العملية.

نبات المورينجا

شجرة المورينجا التي تُلقب بالشجرة المعجزة تتكيف مع أية بيئة ولا تحتاج إلى مياه كثيرة سوى مياه الأمطار بحيث تزرع في الجبال والصحاري إذ تتميز بقدرتها العالية على تحمل الجفاف، ولذا فهي تنمو في الأراضي القاحلة والحارة ونصف الجافة والجافة وفي المناطق المعتدلة والدافئة أيضاً، وتعتبر من أسرع الأشجار نمواً في العالم حيث يصل ارتفاعها إلى أكثر من مترين في أقل من شهرين وأكثر من ثلاثة أمتار في أقل من عشرة أشهر منذ بدء زراعة البذور، ويتراوح ارتفاعها ما بين 9- 12 متراً خلال ثلاث سنوات.
وشجرة المورينجا معروفة في البلاد العربية بأسماء عدة منها غصن البان، وشجرة اليسر، والحبة الغالية، ولها من الفوائد الكثير مما يضعها في مقدمة المحاصيل الاقتصادية الهامة، فهي مصدر حيوي لإنتاج حطب الوقود، وتستخدم الشجيرات والأزهار والثمار في أغراض الزينة، وتعد أوراقها من أفخر الخضراوات المأكولة وأفضل مصادر التغذية للأطفال والمستويات العمرية كونها غنية بالحديد إلى جانب احتوائها على معدلات عالية من الكالسيوم واليود والبوتاسيوم والفيتامينات، هذا فضلاً عن أنه يتم تناولها أيضاً كبهارات فاتحة للشهية ومساعد على الهضم، أما البذور فتحتوي على نسبة عالية من الزيوت تقدر بـ 38 %، وعليه يمكن للحكومات جعل زيتها منتجاً يحقق عائداً اقتصادياً وثروة للمواطنين خاصة وأنه يتميز باحتوائه على مواد مضادة للبكتريا تستخدم في الأغراض الطبية والعلاجية، كما يتميز أيضاً بعدم قابليته للتزنخ واحتراقه بغير انبعاث دخان منه وعدم وجود طعم مميز له مما يجعله من أفضل بل وأوائل زيوت الطعام. هذا وعند استخلاص الزيت، يمكن الاستفادة من مخلفات كبس بذور المورينجا في إجراء عملية ترويق المياه كبديل لاستخدام مادة " الشبة " كمادة مجمعة للشوائب والبكتيريا الموجودة بالماء وترسيبها وكذلك استخدامها في ترويق عصير قصب السكر، كما يمكن استخدام مخلفات أشجار المورينجا في صناعة كل من الورق والأخشاب.
وكما يستفيد الإنسان من شجرة المورينجا تستفيد كذلك منها الحيوانات والحشرات وعلى رأسها النحل بحيث تمثل هاته النبتة مصدراً مهماً لتغذية النحل وإنتاج عسل عالي الجودة، كما أنها تمثل مصدراً مهماً لأعلاف الأبقار والأغنام وزيادة قدرتها على إدرار الحليب وتنمية اللحوم فيها.